الاثنين، 6 أبريل 2009

الشـــــاعر العراقــي عبدالهــادي ســعدون فــي عصفــور الفــم




الشـــــاعر العراقــي عبدالهــادي ســعدون فــي عصفــور الفــم




لقمان محمود


هناك علاقة توأمية بين الإنسان العراقي والشعر. هناك علاقة توأمية بين الإنسان العراقي و الحزن. هناك ثقافة فطرية عند الإنسان العراقي تدعى ثقافة الشعر. وعبد الهادي سعدون أحد هؤلاء العراقيين، يكتب و يكتب كي يبتعد الموت شبراً آخر عن العراق. فالشعر والواقع متشابهان، و كلاهما محاصر بالحرب وبالموت. ومجرد إستمرار الشاعر في الكتابة يعتبر نصراً، وخاصة بعد سقوط الإنسان، القيم، الحريات، والأخلاق. مجرد تنفس القصيدة الصعداء، يعتبر نصرا، لأنه دليل على أن الحياة مستمرة، وأن هناك بصيص أمل.
وعبد الهادي سعدون شاعر وقاص ومترجم من الإسبانية إلى العربية. وتأتي مجموعته الشعرية الأخيرة " عصفور الفم" المسبوقة ب" تأطير الضحك" عام 1998 و" ليس سوى ريح" عام 2000 متميزة على مستوى العوالم الشعرية. فالشعر عبر جميع مراحله لم يوقف حرباً، ولم يوقف دمارا، ولم " يقتل ديكتاتوراً"، لكنه رغم ذلك يبقى على الدوام أكثر إلتصاقا مع أحاسيس الإنسان، وآلامه وأحلامه وهمومه كما في قصيدة
" زمن العائلة":
ها أناذا
إبن عاق لعائلة كثيرة الأفراد
حتى أنني أخطىء
بتهّجي أسماء أخوتي
أبي ينصحني بالترّوي
يقول: يوماً ما ستتفوق على الزمن.
قصائد الشاعر منسجمة مع حالة المنفى( المنفى الإسباني) و متداخلة ضمن مجريات الفكرة المعرفية للثقافة الأوروبية، وواضحة كوضوح الألم، وخالية من الرموز و الغموض، لأنها صرخة صامتة لا تسمع، وألم مستور لا يُرى. والشاعر يستفيد من كل التقنيات المتاحة للكتابة، لأنه بالأساس قاص بارع، حيث أصدر في عام 1996 " اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر" وفي عام 2002 " إنتحالات عائلة"، لذلك يستسلم أحيانا لإزدواجية الكتابة: قاص- شاعر، وهذه الإزدواجية تتصاعد في لغة اللاشعور، فتُكتب القصيدة أحيانا بلغة وأدوات القصة، كما هي في قصيدة " الصّرة":

قرب نهر المانثنار
من الممكن التفكير بدجلة لولا أنني متمسك
بواقعية وجودي هاهنا
رميتُ متعلقاتي من أعلى الجسر
أملاً بأن تجرفها المياه
صّرتي ملأى بأحداث أعوام طوال
الصور و التواريخ و الكلمات
ليست المعنية
كذلك أغاني الهجر والفراق
التي ترافقني الليل والنهر.

الشاعر لا يستريح، طالما هناك قصيدة تتقدم في مسيرتها اللانهائية. والقصيدة لا تعبّر عن معنى، بل تخلقه. ولإضاءة طبقات النص الشعري عند عبد الهادي سعدون نجد أنها متداخلة ومتواصلة مع حلقاتها المفقودة، لأن الشعر بالنسبة له تعني الحياة، ومواصلة الكتابة بالنسبة له بمثابة تأكيد على أنه ما زال على قيد الحياة:
بينما أتنصل من الشعر
و إغواء المرأة التي تنام بجواري هذه الليلة
أنادي على العصفور من الكوة الضيقة
أنتظره أن يخرج من ظلمة ما
في قصيدة الشاعر التي قرأت مرة و نسيتُ مصدرها:
انتظره حتى يخرج من الفم.
يذهب عبد الهادي سعدون في قصيدته إلى معنى تركيبي، لأنّ البعد القصدي يبتعد عن الإفصاح. ربما بسبب إعتناء الشاعر باللغة من الداخل لا من الخارج، و ربما بسبب تماسه مع العنصر الإيماني لا العنصر العقلي. فتنمية القصيدة بتماس غير مرئي تكاد تخفي بذور الألم، و تكاد تغرق القصيدة في وهمها، لأنّ هذه القصيدة تحتضن النسيان بذاكرة ميتة. ورغم ذلك تمضي القصيدة في إستذكاراتها بواسطة ما تترصده من اصوات وهمية كتوثيق للحقيقة:
حيرتي تسابق الفجر بالظهور
أستلقي و أكشف عن قدري هذه الليلة
لا عصفور يأتي
و ضحكتها حقيقتي الوحيدة.
زخم هذه القصيدة و إيقاعها الجمالي تدل على ثقافة الشاعر في إسترسال عاطفته من خلال التنقيب عن لغة إستشعارية تعتمد على العناصر الذهنية لأحوال الجسد- الألم, ربّما لهذا السبب إختار الشاعر هذه القصيدة لتكون عنوانا لمجموعته الشعرية. فعبد الهادي سعدون يحاول أن يعكس المعنى الميتافيزيقي للمنفى، لأن الحاجة إلى فهم منطق الألم، محض حلم صعب التحقيق:
القدر كما يقولون
وضوحه اشد على ضوء القمر المنهزم
و الرغبة أكرر
هي التي تقود ايامي
حتى هاويتها المريحة.


الاتحاد


الصحيفة المركزية للاتحاد الوطني الكردستاني
يومية سياسية



ليست هناك تعليقات: