الخميس، 20 أغسطس 2009

القاص عبدالهادي سعدون: أدرك في كل لحظة كتابة أن العملية مغرية و مهلكة في آن واحد


القاص عبدالهادي سعدون: أدرك في كل لحظة كتابة أن العملية مغرية و مهلكة في آن واحد


حاوره: خضير الزيدي

 على الرغم من مساحة الغربة التي عاشها عبد الهادي سعدون خارج مدار العراق إلا أن مساحة الكتابة وتنوعاتها المعرفية والإبداعية في تزايد وهذه الغربة التي يشير إليها في متن هذا الحوار تجعلنا نتفهم سر وأسباب تمسكه بالمنجز الفكري لأغلب كتاباته، سواء الروائية أو القصصية أو الشعرية، فاهتمامه المتزايد بهذا الأمر وسع من بقعة تصوراته الذهنية وهو ما يصر به على إعطاء الكتابة مساحة واسعة من تفكيره، فما حققه لا تستوعب هذه الأوراق القليلة التحاور في شأنه إلا أننا استطعنا أن نتوقف عند بعض مفاصل وهموم المنجز الكتابي لدي
فعبد الهادي سعدون الذي اصدر ( اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر ) قصص، دمشق 1996.ـ ( كنوز غرناطة) رواية للأطفال، الإمارات 1997.ـ ( تأطير الضحك) شعر (بالعربية والإسبانية)، إسبانيا 1998. ( ليس سوى ريح ) شعر، إسبانيا 2000.ـ (إنتحالات عائلة) قصص، الأردن 2002.ـ (عصفور الفم) شعر، مدريد،2006.ـ (الكتابة بالمسمارية) شعر، كاراكاس (باللغة الأسبانية)، 2006.ـ انتحالات عائلة (باللغة الإسبانية)، لابالماس، 2008. لديه القابلية لتوظيف ما كان مسكونا في ذاته قبل الهجرة إلى اسبانيا وبعد الإقامة فيها وربما تدلنا اغلب نصوصه على قوة تواصل وتجديد ملامح هويته الإبداعية وهذا الحوار يضعنا أمام تساؤلات مستقبلية عن منابع ثقافته الاولى
** لقد انتبهت إلى اغلب نصوصك فاكتشفت أنها محملة بتراكمات معرفية . هل يبدو الأمر مشروعا مستقبليا تتجه بخطابه الجمالي إلى تكوين اسلوب في الكتابة خاص بك ؟
ـ أعتقد أن أي نص بدون طاقة لغوية وبدون خطاب جمالي يستند عليه لا قيمة نصية ولا معرفية له، ونصوصي المنشورة في السنوات الأخيرة تؤكد بشكل وبآخر ما أقوله. هناك زخم نشري كبير في الآونة الأخيرة، لا سيما في الجانب العراقي، حيث ظهرت نصوص مهمة وأسماء جديدة، و الرأي أنها قد أضافت مخزونا آخر لتثبت وجودها ضمن السرد العربي والعالمي أيضاً. أعتقد أن التعويل على ثقل الكتابة القصصية العراقية له ما يبرره، فإضافة للأسماء العديدة التي برزت، من الممكن الحديث عن التجربة والعوالم المستجدة التي دخل فيها الأديب العراقي والتي كان محروماً من مجرد التفكير بها، أو محرمة عليه بتاتاً.
لا أرغب بالحديث عن ما هية الخطاب وجماليته في نصوصي، فهذا يقع في خانة النقد ومن شأن القارئ بالدرجة الأساس، ولكنني أشير إلى أنني مقل في الكتابة بسبب الحرص الكبير على نصي و تأويلاته، وأراقب كتابتي قبل أن تتجه مباشرة للقارئ والناقد. علينا أن نكون واعين بشكل وبآخر لأهمية الكتابة في التوعية وفي الحضور، ان لا نقع فريسة الحضور الدائم بدعوى التواجد، عند ذاك من الأفضل التحول عن الكتابة إلى مهنة أخرى جديرة بالمهمة.
***هذا القول يجعلني أسألك عن نواة نصك لماذا هذا التمسك بخيار تغلغل الإيحاءات والتمثيل الدلالي لإثبات هوية بعدية للنص ؟
ـ النص الخطي هو النص الميت الذي لايقبل تعددية في القراءة والتأويل، وهذا ما أزعم أنني بعيد عنه على الأقل في كتبي الأخيرة، ولا أظنني من دعاة الوضوح والوقوع في شرك التساهل على حساب النص وقوته. لا أعرف مدى نجاحي في ذلك، ولكنني قد أجرؤ على القول بأن النص كائن بحد ذاته وهويته تكمن فيه، ومن هنا يستمر النص بموت موته، ومن هنا ما نزال نقرأ نصوصاً مرت عليها آلاف السنين بنفس الحضور و المتعة والمعرفة التي كتبت فيها في فترتها. أعتقد أن المجال الحقيقي للنص ـ أشير هنا لنصوصي والنصوص العراقية المكتوبة مؤخراً ـ هو في استيعاب هيكله والشحنة التي تحويه، وإلا فالمطاف الأول والأخير له ولأسماء كاتبيه النسيان والإهمال.
**أ لهذا السبب تستوعب اغلب نصوصك القصصية الفصح عن سطح دلالي تعلوه الرمزية والوصف وأحيانا بلغة انفعالية . تساؤلي هنا هل ثمة تعاقب لخطاب معين يمكن أن يمثل في نهاية المطاف تأكيدا على مسائل مثل التجريب في النص القصصي أو هدم لموروث كتابة القصة العراقية وما شابه ذلك ؟
ـ أعتقد أن القصة العراقية قد قطعت شوطاً كبيراً من التجريب والقطيعة مع الموروث التقليدي الذي حمل القصة العراقية على مدى عقود للتواري خلف تيارات قصصية عربية أخرى. القصة الجديدة ومن منتصف الثمانينيات تقريباً بحثت وبنجاح أكبر عن حيزها الخاص، وهو الحيز نفسه الذي يحمل خصوصيتها ويدخلها في خضم الهم الإنساني العالمي. ولكن لا بد من إدراك شيء بسيط هو أن الكاتب كائن إنساني متشعب و متشرب بكل ما يحيطه وما عاشه، لذلك تكون صبغته بثقل خبرته ومعايشة كاتبه، وإلا فما معنى التصاق النص بكاتبه، عند ذلك من الأفضل الحديث عن كتلة هلامية لا عنوان ولا صاحب لها. أدرك في كل لحظة كتابة أن العملية مغرية و مهلكة في آن واحد، والعملية ذاتها تتكرر من كل كتابة جديدة، ولكن يجب الأخذ بنظر الإعتبار أن النص إبن لحظته الآنية أيضاً بكل ثقلها الحكائي واللغوي والبنائي. احياناً نكتب بقوة الموضوعة، واخرى برغبة التفريغ عن حالة، ولكننا في كل الحالات نعني الأنا الكاتبة بكل صخبها و اضطرابها، وايضا بكل هدوئها و ضعفها.
*** دعني أسألك عن أمر آخر هل تتفق مع الرأي القائل بضمور طاقة الرواية ومناخها التعبيري في الأدب العراقي والعربي عموما ؟
ـ كان ذلك سابقاً، أعتقد أن الرأي القائل بهذا يشوبه التشويه المتعمد، فالواقع القصصي والروائي في ظرف العقد الأخير سواء في الجانب العراقي أو العربي يعاكسه تماماً. إذا كنا في السابق ننتظر رواية أو مجموعة قصصية جيدة لكاتب معروف، اليوم نطلع على أكثر من كتاب نثري مجدد في نوعه كل فترة بسيطة. الواقع غير ذلك، هناك زخم في الكتابة وظهور الأسماء الجيدة والجديدة، وهذا مدعاة للتفاؤل والأنتظار الطيب أكثر منه التشاؤم والحديث عن ندرة في الكم والنوعية. لكنني مع هذا لا بد من التأكيد على مسألة محشورة ومتواجدة أيضاً في هذا الخط الإيجابي، وهو أن ينتبه الكتاب العراقيون والعرب إلى أن الكتابة المستعجلة والإصدارات غير الناضجة موجودة جنباً لجنب مع الكتابات الجيدة، وهي حالة عالمية لا نختلف فيها عن أي أدب آخر. فمع الكتابة الناضجة المتمهلة والتي تشق لنفسها طريقاً صائباً، هناك الكتابة الرائجة (البيست سيلر) التي بدأت تتغلغل ببطء في خارطة الكتابة العربية أيضاً.
***لم تبتعد كتاباتك المستمرة عن فضاء المحلية العراقية هل هناك قوة سحر وانشداد تستثمره لهذا التقنين ؟
ـ في الواقع لم أبتعد بالدرجة الكبرى لحدوث قطيعة تامة ولم أقترب لحد الإلتصاق. ما رغبته وأرغبه على الأخص في التجريب القصصي أن أتماثل وتجارب جديدة تخترق السرد القصصي في العالم، وهذه بحد ذاتها تضيف للنص ولا تبتر منه. المحلية ليست في سرد تراتبيات تقليدية لها علاقة بالبيئة العراقية القحة ـ كما يفهمها العديد من الكتاب ـ بل أن تضفي عليها سمة ما يقاربها لتكون موضع قراءة وتمعن من قبل أي كان وفي أية بقعة من الأرض. عليه يمكنك أن تجد في نصوصي محلية عراقية، مثلما يمكن أن يقرأها صديق لي في كولومبيا ويعتقد أنها قريبة منه ومن بيئته. لا أضيف جديداً إن قلت بأننا لا نكتب من أجل أن نصنف بالقرب أو البعد من موضوعة معينة، بقدر ما نكتب لنشهد على أننا نستطيع الكتابة باخلاص ورغبة حقيقية.
***اسمح لي أن أسألك عن هواجس الغربة وما تضيفه من مساحة للكتابة وقضايا الفكر والانتماء إلى المكان ألام ؟
ـ الغربة تجعل الواحد منا برأس مشطور تماماً، وهو على أية حال نستطيع العيش بتوازن خفي، مثل لاعب الأكروبات، دون أن نستطيع الإقدام بكل ثقل على تبني طريق واحد، ولا أن نسمح للشطر الآخر بالإستمرار بتوازنه المهيب دون أن نتخيل السقطة القادمة. رغم ما أقوله، فالغربة ليست غربة جغرافية، وهو ما لا أعيشه أنا على الأقل، بل غربة الوصول لإدراك الغاية الإنسانية من كل هذه المتاهة المسماة: الحياة. صدقني أنني أغلب الأحيان أشعر بقرب كبير مع الآخرين الذي أعيش بينهم، وهذا متأتي من العلاقة الينية والترابط البشري، وأحيانا كثيرة من التقارب الذهني والفكري، وهو ـ قد تستغرب لذلك ـ قد لا أجده مع إبن ثقافتي المشرقية أو لنقل العراقية على وجه الخصوص. والعكس في مدارات أخرى صحيح تماماً. ولكن العلة كما قلت ليست في الحيز الجغرافي أو الأرض ـ الوطن كما يسميه الأغلبيةـ، لأننا في كل مرة ومع كل خطوة وانجاز جديد نصنع وطننا الخاص بنا. الغربة في حالتي هبة أنقذني بها من منحني إياها لتصور حالتي بعيداً عن خطاياي التي من الممكن أن تتكرر في صورة وهيئة وحالة ما، والتي لا مفر من المرور بها.
الغربة علمتني أن أحترم الآخر، ومنحتني حرية كبيرة لم أكن أتصور حجمها دون تجريبها.
*** أأستطيع القول أن الحياة في الغربة كسرت حواجز خطاب تقليدي لك لتفتح موجة كبيرة من التجريب على كتاباتك الجديدة ؟
- بالطبع، وهو صحيح تماماً. ليس معنى هذا أن تكون ناقصاً في الوعي والتجريب بدونها، ولكنها تصقلك وتتيح لك أدوات عديدة كانت غائبة عنك، ليس أقلها لغة وثقافة ومخزونا حضاريا آخر جديدا. إن التواصل والإطلاع من خلال بلد و ثقافة أخرى ـ كما حالتي في إسبانياـ يضعك في تماس تام مع كل الموجات والتجارب الكتابية والفنية التي تبرز كل فترة. أعترف هنا أنني مدين لكل قراءة واعية و خزين ثقافي ثر أطلعت عليه خلال تواجدي هنا، وهذا ليس بالقليل، وليس بمتناول الجميع على أية حال. أن ميزة التواجد والغرف من تراث وثقافة أخرى، لا ثمن له، وهو المحصلة التي تدفع بنا للإيمان يوماً بعد آخر بضرورة التلاقي والتقابل، و أن المقابل لنا هو نحن بصورة وأخرى.
****ما الجديد الذي أضيف إليك من خلال اطلاعك على الآداب الأسبانية وكيف هو موضوع الإبداع في هذا البلد؟
ـ إسبانيا دخلت في حرب أهلية مطولة ومرحلة دكتاتورية أطول، وهي طوال ذلك الوقت كانت تراوح في مكانها بانتظار فرجة أمل. اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على حدوث الإنفتاح والحريات في هذا البلد، نستطيع الحديث عن ثورة معرفية وفكرية وأدبية كبيرة، والآداب الإسبانية في مصاف الآداب العالمية الأولى، وتعددية التجريب والمدارس الفكرية ما يجعلنا أزاء حالة خاصة تشهد للإنسان وقدرته على التغيير التحول الإيجابي، وهي الفكرة التي أرغب لو ننتبه لها في العراق لتكون بمثابة حجر تذكر يفيد في ترميم واقعنا واصلاح حالتنا الثقافية بعد نزاع دموي رهيب أدخلتنا به الدكتاتورية الصدامية.
علاقتي بالآداب الإسبانية كقارئ وباحث ومترجم، ويمكنني القول كجزء صغير منتمي لها أيضاً، تجبرني على مدها وخيوط تواصل مع
آدابنا العربية، وهي شتلة نتناوب على سقيها كل لحظة

ليست هناك تعليقات: