الأحد، 5 أكتوبر 2008

حوار/Entrevista


حوار شخصي مع عبد ألهادي سعدون ..!
جلال نعيم

ـ مضى زمن طويل على لقائنا الأخير في بغداد، والآن أنا هنا وأنت هناك ولم نتحادث ولو عبر الهاتف منذ زمن رغم أشتياقي الكبير لك وربما اشتياقك الكبير لي، أنا أعرف لماذا، هل تعرف أنت؟

ـ هل نتحدث عن كل شيء، أم نتحدث عن شيء بعينه. لو استطعنا عبر نص طويل نكتبه سوية سيكون مريحاً، ولكن حتى النصوص الطويلة لا تشفي غليلي ، على الأقل، اشتياقي لك فهذا بحكم اللعبة التي تحكمنا، ولكن كيف يمكننا تسمية هذه اللعبة باسم محدد. الحقيقة أنني لا أخشى شيئاً لأنني واضح مثل عتمة دامسة على رأي أحدهم (ولو أنك تكره كلمة دامس، لا تقل لا). الحديث عبر كلمات له مضاره يا جلال لأنه حديث كلمات، إذ كيف نأتي الآن بالإشارات والوجوه والأمكنة. أقول لك أن (الأزمنة العائمة) هي الوحيدة التي تتيح لي الجلوس معك الآن، أعني نعمة سحر القديس بيل غيت

ـ ما هو إحساسك بـ(انتحالات عائلة)؟

ـ كتابي (انتحالات عائلة) خلصني مما كتبت سابقاً، من عبء النص المصنوع، لأنني حقاً، وأنت كنت باطلاع على تفاصيله، كتبت النص متخلصاً من كل رقابة، متماهياً مع الحدث ومع نفسي والعالم بنفس الثقل.( إنتحالات عائلة) من الممكن قراءتها كقصص أو رواية في قصص أو نص استذكاري أو حتى سيرة روائية غير مُعلنة كما أنها تنفع كخطاب جامع للحالات كلها، وهذا ما تمنيته له حال كتابته. أدرك الآن بعد نشر الكتاب أننا كقراء ونقاد لسنا مستعدين بعد لنص جامع مثل (انتحالات) لأننا نرغب بالنص السهل والقصّ الواضح، الأدهى من ذلك أننا نتبجح بكل كتاباتنا بنماذج التجريب والحداثة في القص العالمي، ولتقل لي صراحة هل ترى اليوم مماثلة مطابقة بين نصوص كتّاب وتنظيراتهم؟ ما أراه أن العملية النقدية بعيدة بأشواط كبيرة عن ثقل النص المعاصر. بالمختصر،أعتز كثيراً بالكتاب لأنه تجربة مهمة لي على الأقل بتوظيف كل الخيوط التي أملك من اجل كتابته، كما أنني مكتفي بالأصوات القليلة التي أشارت للكتاب عبر مقالاتها.

ـ أين تقف الآن (اجتماعياً، سياسياً، عاطفياً)؟عاطل بكل معنى الكلمة. اجتماعيا (أغرس شجرتي منذ عشرة أعوام ومازالوا يمرون ولا يروني)، سياسياً (هل يكفي أن أرفع إصبعي وأقول أنا مع أو أنا ضد؟)، عاطفياً (هي القشة، الخ ).

ـ لو أعدت عقارب الساعة فهل ستكون في أسبانيا أيضاً؟ربما كنت الآن طبيباً بيطرياً أحكم الحيوانات (حسب مقياس التقييم الدراسي لوزارة التعليم في بلدي)، صدقني لكان ذلك أنفع، فما نفع الكلمات في زمن لا يحفل للحكواتية مثلي. اللغة الإسبانية جاءت مصادفة، وهي مصادفة التعلق بلغتها وآدابها، مثل مصادفة الالتقاء بك أيضاً في كلية اللغات، مثل مصادفة تحاورنا الآن، لو عادت عقارب الساعة فلا نفع لسؤالك مثلاً، لأنه لن تتاح لك فرصة سؤاله!

ـ هل ستعود إلى العراق في حال رحيل حفظه الله و نفاه ؟ ( أجري ألحوار قبل كوميديا إزاحة صدّام و ميلودراما ألإحتلال وتوابعها ! )

ـ كل شيء غامض لأنه هل سأقبل بالعراق الذي سأجده ويقبل بي، وليس ما تركته أم ما أريده أو أحمله في داخلي. سؤالك صعب يا جلال، لأننا كلنا نعرف الإجابة ونخشى قولها. أرجو أن لا نكون مثل بطل رواية غائب طعمة فرمان عندما يتكلم عن العودة وكأنها ستحدث لآخر وليس له.

ـ ماذا تعني لك تلك العجوز الشمطاء التي يسمونها الذاكرة؟

ـ الذاكرة ابتكار سخيف، لأننا بؤرة الآن وليس سوى الآن ولا أبعد من الآن، ومع ذلك أعترف هنا أنني أحتاج لها واستخدمها بسبب وغيره لحاجات وغايات شخصية. نحتاج لقتل الذاكرة كي نبتكر لنا عالماً مُنتَحلاً نرضى به ونُشيعه بين الجميع وكأنه عالمنا الحقيقي، ولكن من يساعدني بذلك؟.

ـ املأ الفراغات التالية:

1 ) الشمس في بلادي من سواها (أجمل في النص الأصلي) سأقول أين هي لولا خشيتي من تخريب الوزن الشعري؟

2 ) لقد وصلت النهاية وفي نهاية كل طريق وجدت نفسي لأنها الهاوية أو الجحيم.(ألهاوية في النص الأصلي)

3) أنا لا أعرف من انا حسب بطل قصصي الذي هو ليس أنا (بلاحدود في النص الأصلي)

4) تعال أكعد ورة الباب تعال أحكي شيسمعون ( اسمع و شيحجون في الأصل)

5 ) مادام هناك ليل ذئب/فالخمرة مأواي وهذا الجسد الشبقي، أخبرني أين أجده؟ (غريب في الأصل)

6 ) سأموت يوماً ما ولكني سأمووووووت وأنا (أغني في النص الأصلي)الكل يتحدث أنه سيموت مطرباً، الحقيقة الوحيدة هي أنني سأموت وحسب وأرجو أن يكون بتربة معروفة لا في مقبرة الغرباء، لذا أفكر بالتالي: سأمووووووت و انا ميت.

ـ كيف تنظر الآن إلى:

1 الرأسمالية: ماذا قال ماركس وانجلز وقتها، لقد نسيت كل ذلك.؟

2 الأديان: هي نحن، ألا ترانا نتصارع فيما بيننا.

3 مطعم ابن سمينة: استكان شاي مهيل بعد أكلة فاصولياء يابسة بدون حضور أسماعيل طبعاً.

4 القصة: لا أفهم لماذا لا تسألني عن الشعر مثلاً.؟

5 اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر: ما أتذكر منها غلاف كتاب بلون أحمر ناري.

6 محسن الرملي بعد الجائزة: لم أعرفه قبل الجائزة فهل سأعرفه بعدها. أهم ما في الجائزة بغض النظر عن قيمتها حقيقية أم لا، أنها اعتراف ليس متأخراً بما نكتب، نصوصنا تنتصر وتجد لها مكانها.

7 عراق ما بعد صدام: (العراق) وحسب بدون ما يليها!

8 سعدي الحلي: أفضل مطرب عالمي، الوحيد الذي يهزني من قعدتي.ألا يكفي أنه المهدئ الوحيد لنا في العراق أمس واليوم، سواء كان واقعاً أم نكتة.

9 غابرييل غارثيا ماركيز: يذكرني بانطفاء بصري واستخدامي للنظارات الطبية بعد القراءة الرابعة أو أكثر لمائة عام من العزلة على ضوء شمعة في أيام الحرب. أراها اشد وقعاً من مصير عائلة بوينديا لأنني ألعن ماركيز كلما مضيت لتغيير النظارات. أجل هناك فائدة فهم الواقع سحرياً!

10 عبدالهادي بعد السبعين: وهل تظنني مجنوناً حتى أرضى بالوصول إلى هذا العمر. اكتشفت منذ أيام إحدى التخطيطات التي رسمتها عام 1994 تتنبأ بموتي هذا العام إذ تقول: هذا البارز في الصورة سيموت عام 2003، فأيها أصدق نبوءة الرسم أم سؤالك؟ ( ولم يمت حتى ساعة إعداد هذا ألحوار ! )

11 جلال نعيم: عوووووع على حد قول إحدى الفتيات أيام الجامعة. يؤلمني أنه لم يقل كل كلمته بعد. ويسعدني حضور صداقته في حياتي وفي كل كتاباتي تقريباً.

ـ أسعد نكتة عشتها في حياتك؟نكتة العيش ألا تراها هائلة.

ـ لقد عشت ولقد كنت وأنت مسؤول عن كل ما حدث؟أبصم بالعشرة أنني قد عشت واكتفيت بما عشت ومللت مما عشت، ولو تمكنت أن أغير شيئاً لما فعلت.

ـ من ستستقبله ببطل (تكيلا) أو (عرك)؟أنت مثلاً. المهم أن يكون لديه الاستعداد أن يجعلني أسكر للمرة الأولى، فهذه الرأس، رأسي، تتعبني إلى درجة أن لا تدوخ من الدوران.

ـ بماذا تفكر قبل أن تحل عليك أسئلتي؟

لم أكن أفكر بشيء، كنت استمتع بشم عطر فتاة غطت بشعرها نظارتي الطبية، تطلب مني مساعدتها بحل لغز أنترنيتي في هذا المقهى الأنترنيتي، أردت أن أجيبها وأنا من يساعدني بهذه المحنة؟ أرجو أن لا يفكر الآخرون بنهاية عاصفة لهذا الحدث العابر، لأنها شكرتني ومضت وبقيت بمواجهة أسئلتك، تصور الحظ. أنتظر، الآن أفكر بمشهد فيلم مصري عن حادثة اعتداء على فتاة، لابد أنك تتذكره لأننا رأيناه سوية أو هذا ما أعتقد، عندما يتحدث أحدهم دافعاً عن نفسه تهمة الاعتداء عليها وهو يؤكد للقضاة: " يا بيه أنا شمّيتها بس!".

ـ ما هي الأشياء التي ما عادت تعني لك شيئاً؟

مثل قول أحدهم (أنني املأ حياتي ملئاً)، ترى هل تكفي أشياء العالم حقاً أن توزع علينا بالمجان. إذا أردتني أن أجيبك على طريقة الحوارات المعتادة سأجيبك بالتالي: هي أشياء عديدة مثل أنا، العالم، الوضوح، الرغبة وغيرها.

ـ هل تحب ممارسة الجنس غبشة، وكيف؟

ألا نعثر على المرأة أولاً، ثم تطلب مني عمله في (الغبشة) وهل رأيت فجراً في مدريد حتى الآن، فهذه المهمة أتركها للديوك المنتصبة أعرافها من فعل الممارسة أو فعل الغبش، يا دييييييييك!

ـ كيف تثيرك المرأة، وكيف تثيرها؟

بتددلها وبحلاوة كلمتها عندما يكون للتدلل والحلاوة محل في الواقعة.( ها هي حروفه تحمرّ خجلاً ! )أما كيف أثير المرأة فلا أعرف حتى الآن، ربما تستطيع أن تجيب عليه أنت فقد كنت شاهداً للعديد من المغامرات. أذكر لك حادثة طريفة يتندر بها أصحابي مني؛ كنت مرة في زيارة لمدينة طليطلة وكانت هناك شابة حاولت طوال الوقت التقرب لي، كنت أظن أنها اهتمت بي كاتباً معروفاً أو من هذا القبيل، فأمضيت أغريها بمعارفي عن الأدب وهي التي تدرس الأدب، أمضينا كل المساء بالحديث عن غويتسولو و ثربانتس و الجاحظ وتركتها تغص بعظمة روائع الروايات والقصائد والمراجع الضرورية، ورجعت فارغاً، ولم أدرك مقصدها حتى رحلة العودة، تخيل أنت هل عثرت عليها مرة أخرى؟ لست من هؤلاء الذين ما أن يخرجوا عند ناصية الشارع حتى تقع فتيات أوربا الشقراوات صرعى سمرتهم، لأنني لا أعرف للشارع ناصية بعد.

ـ هل سترسل لي الإجابات أم ستكتفي بلعن اليوم الذي عرفتني فيه؟

يوم معرفتي بك لعنته من زمن طويل، أما الإجابات، فلنبحث لها عن تسمية أخرى، لأنها لا إجابات ولا هم يحزنون.

ـ ماذا عن ألواح، لقد نسيت، أنها واحدة من خصوصياتك أنت والقروي الحالم ببدلة(قاط)؟

( المقصود الصديق محسن الرملي )أرجو أن لا تصبح ملتصقة بنا مثل التصاق الذئب بدم يوسف. هل أدت ألواح غرضها أم لا، الواقع أن حضورها في الوسط الأدبي دليله السؤال الدائم عنها. لو توقفت في يوم ما فعلى الأقل سنصمت مرتاحين. أعترف أمامك الآن أننا كنا نزيهين في التعامل إلى أبعد حد مع الجميع. السؤال الآن ما هي ألواح؟ هي نحن كلنا.. ألا تتفق معي بذلك.؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقاء اجراه : جلال نعيم jalalh2002@yahoo.com من لوس انجلس/ مع عبد الهادي سعدون في مدريد /

وكانت بغداد أجمل ألحاضرات فيه .. !

ليست هناك تعليقات: